شاهد على المجزرة
مشاهد من الموت والدم تتخللها صرخات استغاثة الأطفال والنساء الذين قتلتهم إسرائيل في صبرا وشاتيلا ننقلها لكم عبر شاهد عيان.
- وقع خطى الجنود يقترب من المخيمين وهدير الدبابات والطائرات بدأ يدب الرعب في أرجائهما ·· دبابات اسرائيلية تحاصر مداخل المخيم وطائرات في الجو تخترق حاجز الصوت ، وطلقات القناصة تصطاد كل شيء يتحرك قبل أن ينقض القتلة في جنح الظلام على الأطفال والنساء والشيوخ ليقطعوا رؤوسهم بالبلطات ، يبقروا بطون الحوامل، ويغتصبوا النساء.
مشاهد من الموت والدم تتخللها صرخات استغاثة الأطفال والنساء الذين لم يرحمهم القتلة الذين أغمدوا فيهم خناجر حقدهم لا لشيئ إلا لأنهم فلسطينيون.
وحوش بشرية ·· قتلة ·· سفاحون ·· لم تثنهم صرخات الأطفال المتعلقين بجلابيب أمهاتهم ، ولا توسلات شيخ كهل ، ولا دموع وصرخات أم عن شهوة القتل.
مشاهد من القتل والتنكيل تعجز بلاغة اللغة عن وصفها ، لأنها فوق الوصف ، ومرتكبوها ليسوا من البشر السويين ، بل هم حفنة من القتلة المجرمين ·· كل هذه المشاهد يصورها أحد الناجين من المذبحة بكل انفعالاتها.
شاهد
وليد العوض الذي كان يبلغ من العمر تسعة عشر عاما ابان مذبحة صبرا وشاتيلا وأحد شهود العيان على المجزرة الرهيبة رفع دعوى قضائية ضد رئيس الحكومة الصهيوني أرئيل شارون بصفته المسئول الأول عن ارتكابها حيث كان يتواجد في مبنى الضباط الإسرائيلي غرب المخيمين وكان يشرف على مجريات المذبحة أولا بأول ، وعمل على تسهيل مهمة الكتائب اللبنانية في عمليات القتل الجماعي التي راح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف فلسطيني في أبشع مذبحة عرفها التاريخ المعاصر.
وكما يؤكد العوض فإن الدعوى ليست موجة ضد شارون فقط ، بل ضد كل من يثبت تورطه فيها من الجيش الاسرائيلي والكتائب اللذان شاركا مشاركة فعلية في ارتكابها.
ولم يكن وليد العوض هو الشاهد الوحيد على المجزرة بل هناك أكثر من خمسائة من الناجين فروا أثناء وقوعها يحتفظون في ذاكرتهم بمشاهد المأساة المرعبة.
حملة عسكرية مكثفة
بدأت اسرائيل في الرابع من حزيران عام 1982 حملة عسكرية مكثفة استخدمت خلال القصف البحري والجوي والصاروخي العنيف علي مختلف مناطق الجنوب اللبناني تمهيدا لاجتياح لبنان وكانت إسرائيل تسعى من وراء ذلك الى تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، التي تنامت وأصبحت تهدد أمن إسرائيل باستمرار.
ومن هنا بدأت القوات الإسرائيلية تتقدم نحو المناطق الفلسطينية واللبنانية المشتركة في الجنوب اللبناني وكان الجيش الإسرائيلي يتقدم مستخدما الدبابات والمدرعات وعمليات الإنزال الجوي والبحري في منطقة الزهراني والأولي في منطقة صيدا.
واستطاعت إسرائيل في الأسبوعين الأولين من هذا الاجتياح أن تعزل مناطق الجنوب بعضها عن بعض ومنطقة صيدا عن بيروت. لكن استمر القتال والمقاومة من مختلف الحركات والفصائل الفلسطينية واللبنانية للقوات الإسرائيلية الغازية ، ودارت معارك عنيفة بشكل أساسي في المخيمات الفلسطينية ، في عين الحلوة والرشيدية والبص والبرج الشمالي وكانت المعارك متواصلة على تخوم المواقع الفلسطينية المنتشرة في لبنان.
ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي وصلت القوات الإسرائيلية الغازية في الرابع والعشرين من حزيران من العام اثنين وثمانين إلى مداخل بيروت وخصوصا بالقرب من خلدا حيث سطر الفلسطينيون واللبنانيون أروع ملحمة من ملاحم البطولة · واستمرت المعارك في منطقة الدامور وخلدا ومنطقة الشويفات بشكل متواصل إلى أن تمكنت القوات الإسرائيلية من إحكام الحصار بشكل كامل على بيروت من جهة الجنوب ومن جهة الشرق وباتت مداخل العاصمة اللبنانية وخصوصا المنطقة الغربية من بيروت معقلا للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وباتت هذه المنطقة خاضعة لحصار محكم من قبل الاحتلال الإسرائيلي بما فيها مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس.
وأثناء حصار بيروت استمرت عمليات المقاومة في عدة مناطق متواصلة وخصوصا في مناطق الجنوب اللبناني وبالأخص في منطقة الرشيدية وكانت عمليات الإغارة من قبل المقاتلين الفلسطينيين على خطوط الإمداد للعدو الإسرائيلي وعلى مراكز قياداته وتمكنت مجموعة من المقاتلين من التقدم نحو مركز قيادة الجيش الإسرائيلي في النصف الأخير من شهر حزيران واستطاعت أن تدخل إلى هذا المقر وتقتل الجنرال:"يوسفئيل آدم" مساعد أرئيل شارون وزير الجيش الإسرائيلي في حينه.
هذا الصمود الأسطوري الفلسطيني في لبنان استمر ثمانية وثمانين يوما استخدمت إسرائيل خلاله مختلف أنواع الأسلحة ، ولم تستطع الدبابات الإسرائيلية أن تدخل بيروت طيلة وجود المقاتل الفلسطيني ولم تستطع الدبابة الإسرائيلية أن تتقدم نحو العاصمة بيروت ثمانية أمتار عن مكانها.
فاستخدمت إسرائيل الحصار التجويعي وقطعت الكهرباء عن المناطق المحاصرة إلى أن بدأت تدخلات دولية رعتها الولايات المتحدة الأمريكية عبر وسيطها فيليب حبيب وأسفرت هذه الجهود والضغوط في نفس الوقت عن موافقة القيادة الفلسطينية تحت مجموعة عوامل للخروج من بيروت ، ورفضت كل الشروط الإسرائيلية للخروج دون سلاح وأصر عرفات على أن تخرج المقاومة الفلسطينية مرفوعة الرأس ، وأبرم في حينه اتفاق تقوم بموجبه قوات متعددة الجنسيات بحماية المدنيين ومنع دخول الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت.